تبلورت عمارة الإغاثة في كينيا من خلال العمل الميداني في مومباسا وكيلفي والمناطق المحيطة بهما، والتي تعمل كأرشيفات حيّة تُظهر كيف تتحول الممارسات الخيرية إلى واقع مادي، وكيف تتفاعل المجتمعات معها في بيئاتها اليومية. تكشف هذه المواقع أن الإغاثة ليست بنية تحتية محايدة، بل ممارسة مكانية تتوسط بين السلطة والانتماء والهوية

قدّمت مومباسا، بوصفها الميناء التاريخي لكينيا، مدخلاً أساسياً لهذا البحث. فقد جعلها تاريخها الطويل من التجارة عبر المحيط الهندي والتبادل الثقافي مركزاً للمشاريع الدينية والتعليمية والخيرية. لم تكن المدارس والعيادات والمساجد التي دعمها المانحون الدوليون مجرد مبانٍ وظيفية، بل علامات رمزية على الارتباطات العابرة للحدود. لقد كشفت كيف يخطّ المانحون طموحاتهم على النسيج الحضري، بينما تعيد المجتمعات صياغة هذه المباني عبر الاستخدام والذاكرة والتكيّف المحلي. وهكذا أصبحت مومباسا موقعاً يمكن من خلاله دراسة تقاطع العمل الخيري العالمي مع التراث الساحلي في صورة ملموسة

أما كيلفي فقد أبرزت البعد الحميمي والمجسّد للإغاثة. هنا، لم تكن الآبار والمدارس والمرافق الصحية مجرد خدمات، بل محاور اجتماعية تنظّم التجمع والرعاية والتعلّم. أظهر رصد هذه المواقع أن العمارة، حين تُوضع في سياقات الإيقاعات اليومية، تُسهم بفاعلية في تشكيل أنماط من التضامن والاعتماد المتبادل

معاً، تؤكد هذه المواقع الميدانية أن عمارة الإغاثة لا يمكن فهمها كبنى معزولة. فالعيادة أو المدرسة أو البئر تتردد أصداؤها عبر الأبعاد الاجتماعية والثقافية والزمنية. إنها تكشف كيف تصبح الممارسات الخيرية ملموسة في كينيا، منتجةً عمارات محلية وعابرة للحدود في آن واحد، مادية وعلاقية، تؤدي وظائفها المباشرة، وفي الوقت ذاته تندمج في جغرافيات إنسانية أوسع